كثيرة هي الامور التي تغيرت في منطقة "طريق الجديدة" على مر السنوات الماضية، بدءا من حرش العيد الذي تحوّل الى محمية يُحرم أهالي المنطقة ومحيطها من الدخول اليها، الى المتنفس الرياضي الوحيد وهو "الملعب البلدي" الذي تحول الى ثكنة عسكرية، والمقاهي الشعبية التي تندثر يوما تلو الآخر على حساب مقاهٍ حديثة ومطاعم الوجبات السريعة التي تحمل اسماء أجنبية، وبقي "المسحراتي".
سبع سنوات قضاها عثمان الألطي كمسحراتي في شوارع طريق الجديدة، حتى بات صوته معروفا لدى أهالي المنطقة. لم يغير "التقليد" الذي ورثه أبا عن جد ولا يزال يحافظ على أصالته. هو ليس مصدر رزقه، بل مهنة موسمية تأتي مع حلول شهر رمضان.
قليل من المدائح التي تدعو الى العفو عن الذنوب، ختامها "يا غافلين وحدوا الله، عباد الله أذكروا الله"، هي سر مهنة عائلة الألطي منذ 70 عاما لإيقاظ أهالي المنطقة على سحورهم، فعثمان تعلم أصول "التسحير" من عمه عبد الرحمن عثمان الألطي الرجل السبعيني الذي لم يعد له قدرة على القيام بجولة على المنطقة وحيدا، فقسّمها بينه وبين عثمان. ويؤكد عثمان في حديث لـ"النشرة" أن "المسحراتي" لن يموت، وأنه حينما يرزق بإبن فسيعلمه أيضا كيفية "التسحير"، "فهذا الأمر هو ما يميز عائلتنا منذ قديم الزمان، ويجب أن نحافظ عليه كونه تقليد رمضاني تربّينا عليه ويجب على الأجيال القادمة أن تعيشه، وتتعلم عادات وتقاليد شهر رمضان على أصولها".
يجول عثمان مستعينا بصوته الجهوري وطبلة مصنوعة من جلد الماعز والفخار بدءا من الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل من شارع حمد، مرورا بالملعب البلدي، وصولا الى ساحة أبو سهل. ويختتم جولته عند الساعة الثالثة أي قبل نصف ساعة من آذان الفجر وبدء يوم جديد من الصوم.
ويؤكد عثمان أن عمّه عبد الرحمن، هو من شجعه على تعلم أصول "التسحير"، فكان يسمعه يوميا ينادي "إغفر ذنوبي أنا والسامعين يا رب يوم لا ينفع لا ولد ولا مولود"، مشددا على أن هذه المدائح والدعوة الى المغفرة هي ما يميز "التسحير"، رغم أنها لا تخلو من الجمل التي حفظها الناس ومنها "يا نايم وحد الدايم" و"يا عباد الله وحدوا الله"، و"قوموا على سحوركم اجا رمضان يزوركم".
أما بالنسبة الى العباءة التي يرتديها، فيعتبر عثمان أن لشهر رمضان هيبته، وهي من جماليات المُسَحّر التي يحفظها الناس ويجب المحافظة عليها، وعدم مجاراة العصر الحالي "مثل بعض المسحراتية، الذين يلبسون الجينز والـتي-شرت"، ويقول عنهم: "هيدا مش مسحر!"
لا يخلو حديث عثمان من سرد لبعض الأحداث الطريفة التي تحصل خلال "التسحير"، فيشير الى أن بعض الأطفال يقومون برمي المفرقعات النارية عليهم، فيما قد تلحقهم الكلاب في أوقات أخرى، بينما الحدث الذي حصل منذ سنتين ويخشى أن يتكرر هذه السنة فهو "سرقة العيديّة". ويوضح عثمان أنها إكرامية يقدمها أهالي المنطقة له تعبيرا عن امتنانهم لتعبه في عملية "التسحير" التي يقوم بها طوال شهر رمضان، ولكن السنة السابقة وقبلها حصلت عملية سرقة لـ"العيدية" حيث قام بعض الأشخاص بجولة على بيوت المنطقة مدعين أنهم "المسحراتية"، "وعندما قمنا نحن بالجولة قال لنا الأهالي أننا أعطينا "المسحّر اللي قبلك".
رغم كل شيء لا يزال "المسحراتي" قيمة مرتبطة بشهر ديني كرمضان، هو النوستالجيا الطفولية، وبطل اغنية رمضان الشهيرة "عَلّو البيارق" الى ان اصبح هدفا لعدسات كاميرات هواتفنا النقالة حيث ننتظره يوميا لنصوره وهو يصدح بصوته "قوموا على سحوركم"... هنا في طريق الجديدة كل شيء تبدل إلا "المسحراتي".